«لا» صالح مسلم لـ«روداو»: تذكير بوحدة كردية ضمن التناقض

جهاد حمي

عُقد كونفرانس الوحدة الكردية المنتظر منذ فترة طويلة، في السادس والعشرين من نيسان/أبريل، بهدف توحيد التيارات السياسية الكردية، ووضع مجموعة مشتركة من المطالب للتفاوض مع الحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد الشرع. يهدف الكونفرانس إلى تأمين حقوق الكرد في سوريا، في مرحلة ما بعد بشار الأسد، وذلك عبر بلورة رؤية موحدة تمكّن القوى الكردية من خوض مفاوضات فعالة مع سلطات دمشق.

لاقى الحدث حماسة واسعة بين الكرد، الذين عانوا طويلاً من الانقسامات السياسية والأيديولوجية بين الأحزاب الكردية المتنافسة. وقد أدّت هذه الانقسامات، في كثير من الأحيان، إلى استقطاب عميق داخل الشارع الكردي، مما حال دون تشكيل جبهة سياسية موحدة.

حظي الكونفرانس بتغطية إعلامية واسعة، لا سيما في وسائل الإعلام الكردية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل المجتمع الكردي من مختلف أجزاء كردستان، وكذلك من الشتات، مع الحدث بتفاؤل كبير. واحتفت معظم التغطيات بالكونفرانس باعتباره خطوة تاريخية نحو مزيد من التماسك والوحدة الكردية.

ومع ذلك، سرعان ما تحولت لحظة غير متوقعة خلال الكونفرانس إلى محور نقاش واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد رفض صالح مسلم، الشخصية السياسية الكردية البارزة والمتحدث باسم العلاقات الخارجية في «حزب الاتحاد الديمقراطي PYD»، الإدلاء بتصريح لصحفية من قناة «روداو»، وهي وسيلة إعلامية مرتبطة برئيس إقليم كردستان العراق، نيجرفان برزاني. وعندما اقتربت منه الصحفية للتعليق على مجريات الكونفرانس، رد مسلم بشكل قاطع قائلاً: «روداو؟ لا!».

أثار هذا التصرف موجة من الانتقادات على العديد من الصفحات والمواقع الكردية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر العديد من المستخدمين أن تصرف مسلم يقوض روح الوحدة التي سعى الكونفرانس إلى ترسيخها، مشيرين إلى أن مثل هذه الإيماءة، في حدث ذي طابع تاريخي، قد ترسل رسالة خاطئة إلى الشارع الكردي.

في المقابل، دافع آخرون عن موقف مسلم، مشيرين إلى أن قناة روداو تتبنى خطاً تحريرياً منسجماً مع «المجلس الوطني الكردي ENKS»، الذي يعارض الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، والتي يحظى مشروعها بدعم مسلم وحلفائه.

لا يُعد رفض صالح مسلم الحديث إلى «روداو» فشلاً للوحدة الكردية، بل مثالاً حياً على الطبيعة الجدلية لهذه الوحدة، حيث يشكل التناقض نفسه محركاً للتاريخ، ولتطور الوعي الذاتي، والحياة السياسية وفقاً لهيغل

الوحدة المتناقضة

يسلط سلوك صالح مسلم خلال الكونفرانس – ولا سيما رفضه التحدث إلى قناة «روداو» – الضوء على حقيقة أساسية بشأن مفهوم الوحدة السياسية: الاتفاق على القضايا الجوهرية أو المبادئ المشتركة لا يعني بالضرورة القضاء على التناقضات الكامنة بين الأطراف. تشير هذه اللفتة إلى أنه، رغم تمكن القوى الكردية المختلفة من إيجاد أرضية مشتركة حول أهداف عريضة، مثل التفاوض من أجل ضمان حقوق الكرد في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، فإن الخلافات العميقة في الأيديولوجيا والأفكار ما تزال قائمة بينها.

من منظور هيغل، الفيلسوف الالماني الشهير، يشكل الحادث المرتبط بصالح مسلم خلال كونفرانس الوحدة الكردية تجسيداً ملموساً لفكرة أن الوحدة لا تعني غياب التناقض، بل تنظيمه والارتقاء به عبر النضال والتطور المستمر.

في الجدل الهيغلي، يتميز كل وجود بتناقض داخلي، حيث لا تعني الوحدة القضاء على الفوارق، بل تمثل العملية الديناميكية التي تتصادم فيها العناصر المتعارضة، وتتفاعل، لتنتقل نحو مرحلة أعلى من التمايز. وبهذا المعنى، لا يُعد رفض صالح مسلم الحديث إلى «روداو» فشلاً للوحدة الكردية، بل مثالاً حياً على الطبيعة الجدلية لهذه الوحدة، حيث يشكل التناقض نفسه محركاً للتاريخ، ولتطور الوعي الذاتي، والحياة السياسية وفقاً لهيغل.

بدلاً من تفسير ذلك كفشل في الوحدة، يجب أن يُفهم على أنه خاصية واقعية وضرورية في أي عملية سياسية حقيقية. التناقضات ليست مجرد عقبات يجب محوها لتحقيق الوحدة، بل هي الأرضية التي يحدث عليها الصراع السياسي والتطور. من دون التناقض، لن تكون هناك حركة، ولا تقدم، ولا مجال للتفكير النقدي أو التحول.

الوحدة السياسية التي تدعي أنها تحل جميع الاختلافات عبر توافق سطحي تخاطر بأن تصبح راكدة، استبدادية، أو هشة؛ غير قادرة على التكيف مع التحديات الجديدة أو دمج الطاقات السياسية المتنوعة.

الوحدة المتجانسة تماماً، «السلام والانسجام الكامل» الذي بدا أن بعض النقاد كانوا يتوقعونه، ستكون بلا حياة، ثابتة، وفي النهاية وهمية. من الناحية السياسية، هذا النوع من «السلام» يعني قمع القوى السياسية الحقيقية

أما الوحدة الحقيقية، على النقيض من ذلك، فتقبل التناقض كأمر حتمي ومنتج. إنها تخلق مساحة يتم فيها التفاوض على التوترات، حيث تتصادم الرؤى المتنافسة، مما يتيح ظهور مشروع سياسي أكثر ديناميكية وشمولية ومرونة.

يمكن النظر إلى فعل صالح مسلم على أنه تجسيد لتناقض غير محلول بين المشاريع السياسية الكردية المختلفة؛ لا سيما بين الإدارة الذاتية الديمقراطية، والمجلس الوطني الكردي المرتبط بالديمقراطي الكردستاني، بحضور قناة «روداو» المحسوبة عليهم. ومع ذلك، لا يعني هذا الفعل، انهيار الوحدة بمعناها البسيط، بل يكشف أن الوحدة الكردية، مثل جميع أشكال الوحدة التاريخية، يجب أن تُفهم كوحدة في الاختلاف؛ تركيب غير مستقر يتم فيه نقل التناقضات إلى مستوى جديد من النضال.

يؤكد رد صالح مسلم بـ «لا» على ضرورة النفي، الفعل الذي يعترف بالاختلاف ويواجهه، باعتباره عنصراً حاسماً في أي عملية سياسية ذات معنى. النفي هنا لا يعني مجرد الرفض أو المعاكسة؛ بل يبرز الحاجة إلى الانخراط النقدي مع التوترات والتناقضات الكامنة في الكيانات السياسية. وهذه العملية من النفي ليست فقط منتجة، بل هي أساسية لضمان سير الحياة السياسية بشكل صحي ومستدام.

الوحدة المتجانسة المطلقة، «السلام والانسجام الكامل» الذي بدا أن بعض النقاد كانوا يتوقعونه، ستكون بلا حياة، ثابتة، وفي النهاية وهمية. من الناحية السياسية، هذا النوع من «السلام» يعني قمع القوى السياسية الحقيقية. وبالتالي، يُجسد سلوك صالح مسلم الطابع الحي والجدلي للتطور السياسي الكردي: الاتفاق على بعض المبادئ المشتركة (مثل ضرورة التفاوض والدفاع عن حقوق الكرد) لا ينفي الانقسامات الأيديولوجية الكامنة، بل يضعها ضمن حركة تاريخية أوسع نحو تقرير المصير.

من هذا المنظور، يُعد فعل صالح مسلم تذكيراً لاشعورياً بأن التطور السياسي هو عملية جدلية: يتقدم من خلال الصراع والنقاش وإعادة التفاوض المستمر للتحالفات، وليس من خلال الصورة الزائفة للتناغم التام. رفضه لا يُعد مجرد فعل تقسيمي، بل هو تأكيد على أن القوى السياسية الكردية يجب أن تتعامل مع اختلافاتها الحقيقية، لا أن تنكرها، إذا كانت ترغب في بناء وحدة مستدامة وذات معنى.

 

جهاد حمي: كاتب مقيم في ألمانيا. يدرس الأدب الإنكليزي والأمريكي في جامعة هامبورغ. تم نشر كتاب له باللغة الإنكليزية مؤخراً بعنوان «ROJAVA IN FOCUS: CRITICAL DIALOUGES» بالاشتراك مع البروفيسور توماس جيفري مايلي.