نعومي كلاين – أسترا تايلور
في بداية فترة ترامب الأولى، قام «النيويوركر» بالتحقيق في ظاهرة وصفها بـ «التحضير لنهاية العالم للأثرياء جداً». في ذلك الوقت، كان من الواضح بالفعل أنه في وادي السيليكون و«وول ستريت»، كان الناجون الأكثر جدية في فئة الأثرياء يتخذون احتياطات ضد اضطرابات المناخ والانهيار الاجتماعي من خلال شراء مساحات في ملاجئ تحت الأرض مُخصصة لهذا الغرض، وبناء منازل هروب على مرتفعات في أماكن مثل هاواي (حيث قلل مارك زوكربيرغ من أهمية ملجأه تحت الأرض الذي تبلغ مساحته 5000 قدم مربع بوصفه «مأوى صغير») ونيوزيلندا (حيث اشترى ثيل نحو 500 فدان ولكن تم رفض خطته لبناء مجمع مخصص للناجين الفاخرين من قبل السلطات المحلية في 2022م بسبب كونه منظراً غير جذاب).
هذه الأيديولوجية المِلّينية millenarianism، مرتبطة بمجموعة من الظواهر الفكرية الأخرى في وادي السيليكون، والتي تقوم جميعها على إيمان مُستند إلى فكرة نهاية العالم، مفادها أن كوكبنا في طريقه نحو الكارثة وأن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات صعبة بشأن أي أجزاء من الإنسانية يمكن إنقاذها. ويعد الترانسهيومانيزم (الإنسانية ما بعد البشرية) أحد هذه الأيديولوجيات، التي تشمل كل شيء من «تعزيزات» صغيرة بين الإنسان والآلة، إلى السعي لتحميل الذكاء البشري إلى الذكاء العام الصناعي، الذي لا يزال خيالياً. وهناك أيضاً «الإيثار الفعّال» و«الطويل الأمد»، وهما نهجان يتجاهلان الأساليب التوزيعية لمساعدة المحتاجين في الوقت الحاضر، لصالح نهج يكافئ الفوائد من خلال فعل أكبر قدر من الخير على المدى الطويل.
على الرغم من أن هذه الأفكار قد تبدو غير ضارة للوهلة الأولى، إلا أنها مشبعة بانحيازات عنصرية وقادرة على التمييز بين الأجناس والأعراق والمجتمعات، تتعلق بمن يستحق تعزيز وتحسين الإنسان ومن يجب التضحية به من أجل ما يُفترض أنه خير للبشرية جمعاء. كما أنها تشترك في نقص ملحوظ في الاهتمام بمعالجة العوامل الأساسية التي تؤدي إلى الانهيار، وهو هدف مسؤول وعقلاني تتجنب فئة متزايدة من الشخصيات العمل عليه بنشاط. بدلاً من الإيثار الفعّال، تبنى آندرسن، وغيره من المرتادين لمنتجع مار-آ-لاجو «التسريع الفعّال»، أو «التحفيز المتعمد للتطور التكنولوجي» دون وجود أي ضوابط.
سرعت ثلاث تطورات مادية حديثة من جاذبية فاشية آخر الزمان. الأول هو أزمة المناخ. الثاني هو كوفيد-19، والعامل الثالث هو التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتبنيها
في الوقت نفسه، تجد الفلسفات الأكثر ظلمة جمهوراً أوسع، مثل خطب المبرمج كيرتيس يارفين، القائمة على «الرجعية الجديدة» والمؤيدة للملكية (والذي يُعدّ من بين الشخصيات الفكرية التي يستلهم منها ثيل)، أو هوس حركة «دعم الإنجاب» التي تركز على زيادة عدد «الرضع الغربيين» بشكل دراماتيكي (وهي هوس لدى ماسك)، فضلاً عن رؤية الخبير في مبدأ «الخروج» سرينيفاسان لمدينة سان فرانسيسكو التي ستكون «صهيونية تكنولوجية»، حيث يتحد الموالون للشركات والشرطة لتطهير المدينة سياسياً من الليبراليين لإفساح المجال لشبكتهم التي تُمثل نظام الأبارتايد.
كما كتب علماء الذكاء الاصطناعي تيمنيت جيبرو وإميل بي توريس، على الرغم من أن الأساليب قد تكون جديدة، إلا أن هذه «الحزمة» من الاتجاهات الأيديولوجية تعد استمراراً مباشراً للهندسة الاجتماعية القائمة على «تحسين النسل في موجتها الأولى»، التي شهدت أيضاً قيام مجموعة صغيرة من البشر باتخاذ قرارات حول أي الأجزاء من الكل تستحق الاستمرار وأيها يجب التخلص منها أو تصفيتها أو إنهاؤها. حتى وقت قريب، لم يولِ الكثيرون اهتماماً بذلك. تماماً مثل «برسبيرا»، حيث يمكن للأعضاء بالفعل تجربة دمج الإنسان والآلة مثل زرع مفاتيح تسلا في أيديهم، كانت هذه الموضات الفكرية تبدو وكأنها هوايات هامشية لعدد قليل من المبتدئين في منطقة خليج سان فرانسيسكو الذين لديهم المال والحذر للإفراط في إنفاقه. لكن لم يعد الأمر كذلك.
لقد سرعت ثلاث تطورات مادية حديثة من جاذبية فاشية آخر الزمان. الأول هو أزمة المناخ. في حين قد لا يزال بعض الشخصيات البارزة ينكرون أو يقللون من حجم التهديد علناً، فإن النخب العالمية، التي تقع ممتلكاتها على الشواطئ ومراكز بياناتها في خطر شديد بسبب ارتفاع درجات الحرارة ومستويات البحار، على دراية جيدة بالمخاطر المتزايدة لعالم يزداد حرارة.
الثاني هو كوفيد-19: كانت النماذج الوبائية تتنبأ منذ وقت طويل بإمكانية حدوث جائحة تدمر عالمنا المترابط؛ وقد اعتبر العديد من الأشخاص الأقوياء وصول واحدة منها علامة على أننا وصلنا رسمياً إلى ما توقعه محللو الجيش الأمريكي باعتباره «عصر العواقب». لا مزيد من التوقعات، الأمور تتجه نحو الأسوأ.
العامل الثالث هو التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتبنيها، وهي مجموعة من التقنيات التي ارتبطت طويلاً بمخاوف الخيال العلمي بشأن الآلات التي ستنقلب على مبتكريها بكفاءة قاسية، وهي مخاوف عبّر عنها بقوة نفس الأشخاص الذين يقومون بتطوير هذه التقنيات. كل هذه الأزمات الوجودية مكدسة فوق التوترات المتصاعدة بين القوى المسلحة نووياً.
ما يُبقي قادة هذه الصناعات المتشابكة مستيقظين ليلاً ليس الاحتباس الحراري أو تفشي الأوبئة أو حتى الذكاء الاصطناعي الخارج عن السيطرة، بل احتمال حدوث صحوة حضارية؛ جهود حكومية جادة ومنسقة دولياً لكبح جماح قطاعاتهم الخارجة عن السيطرة قبل فوات الأوان. فمن منظور أرباحهم المتزايدة بلا توقف، ليست نهاية العالم هي الانهيار… بل هي التشريعات والقوانين التي تحد من توحشهم
لا ينبغي تجاهل كل هذا على أنه مجرد هوس أو جنون الارتياب (بارانويا). يشعر الكثير منا بشدة باقتراب الانهيار لدرجة أننا نتعامل مع ذلك من خلال ترفيه أنفسنا بمختلف الإصدارات المتعلقة بالحياة في ملجأ بعد نهاية العالم، مثل متابعة مسلسل «Silo» على آبل، أو «Paradise» على هولو. كما يذكرنا المحلل البريطاني والمحرر ريتشارد سيمور في كتابه الأخير «القوموية الكارثية»: «نهاية العالم ليست مجرد خيال. نحن نعيش فيها بالفعل، من الفيروسات القاتلة إلى تآكل التربة، ومن الأزمات الاقتصادية إلى الفوضى الجيوسياسية».
إن المشروع الاقتصادي لترامب 2.0 هو بمثابة وحش فرانكشتاين يتكوّن من الصناعات التي تغذّي جميع هذه التهديدات، الوقود الأحفوري، الأسلحة، والعملات الرقمية والذكاء الاصطناعي المتعطش للموارد. كل من يعمل في هذه القطاعات يعلم جيداً أنه لا يمكن بناء العالم الاصطناعي الموازي الذي يعد به الذكاء الاصطناعي دون التضحية بهذا العالم. فهذه التقنيات تستهلك طاقة هائلة، ومعادن حيوية بكميات ضخمة، وكميات هائلة من المياه، مما يجعل من المستحيل تقريباً أن يتعايش العالمان في أي نوع من التوازن.
وفي هذا الشهر، اعترف المدير التنفيذي السابق في غوغل، إريك شميت، بذلك أمام الكونغرس، حيث قال إن احتياجات الذكاء الاصطناعي «العميقة» للطاقة من المتوقع أن تتضاعف ثلاث مرات في السنوات القليلة المقبلة، مع اعتماد الجزء الأكبر منها على الوقود الأحفوري، لأن الطاقة النووية لن تكون جاهزة بالسرعة الكافية. وأوضح أن هذا المستوى من الاستهلاك، الذي يحرق الكوكب حرفياً، ضروري لتمكين ظهور ذكاء «أعلى» من البشرية، إله رقمي ينهض من رماد عالمنا الذي تخلّينا عنه.
وهم قلقون بالفعل. لكن ليس بشأن التهديدات الحقيقية التي يطلقونها. ما يُبقي قادة هذه الصناعات المتشابكة مستيقظين ليلاً ليس الاحتباس الحراري أو تفشي الأوبئة أو حتى الذكاء الاصطناعي الخارج عن السيطرة، بل احتمال حدوث صحوة حضارية؛ جهود حكومية جادة ومنسقة دولياً لكبح جماح قطاعاتهم الخارجة عن السيطرة قبل فوات الأوان. فمن منظور أرباحهم المتزايدة بلا توقف، ليست نهاية العالم هي الانهيار… بل هي التشريعات والقوانين التي تحد من توحشهم.
يُتخذ خيار قاتم لا يمكن وصفه: الآلة على حساب الإنسان، والجماد على حساب الحياة، والأرباح فوق كل اعتبار. وبسرعة مذهلة، تراجعت أباطرة التكنولوجيا الكبرى بهدوء عن تعهداتها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية، واصطفّت إلى جانب ترامب، مصمّمة على التضحية بموارد هذا العالم الحقيقية والثمينة وإبداعه، على مذبح عالم افتراضي مصّاص للدماء
إن حقيقة أن أرباحهم تعتمد على دمار كوكب الأرض تساعد في تفسير سبب تلاشي خطاب العمل الخيري بين الأقوياء لصالح التعبير العلني عن الازدراء لفكرة أننا مدينون لبعضنا البعض بشيء من حقوق إنسانيتنا المشتركة. لقد انتهى عصر سيليكون فالي مع الإيثار، سواء كان فعالاً أم لا. مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة ميتا، يتوق إلى ثقافة تحتفل بـ «العدوانية». أليكس كارب، شريك ثيل في شركة بالانتير للتكنولوجيا المتخصصة في المراقبة، يندد بما يسميه «الانهزاميين» و«جلد الذات الخاسر» لأولئك الذين يشككون في التفوق الأمريكي وفوائد أنظمة الأسلحة الذاتية (وبالتالي، العقود العسكرية المربحة التي صنعت ثروة كارب الهائلة). يُبلغ ماسك جو روغن أن التعاطف هو «الضعف الأساسي في الحضارة الغربية»، ويعبر عن استيائه بعد فشله في شراء انتخابات المحكمة العليا في ويسكونسن: «يبدو بشكل متزايد أن البشرية ليس سوى أداة تمهيد بيولوجية للذكاء الاصطناعي الفائق». مما يعني أننا نحن البشر مجر وقود لـ«Grok»، خدمة الذكاء الاصطناعي التي يمتلكها. (لقد أخبرنا بالفعل أنه كان من أنصار «الماغا المظلمة» – وهو ليس الوحيد في ذلك).
في إسبانيا، التي تعاني من الجفاف والضغط المناخي، هناك مجموعة تطالب بفرض وقف مؤقت على إنشاء مراكز البيانات الجديدة تُطلق على نفسها اسم «Tu Nube Seca Mi Río» أي «سحابتك تجفف نهري» باللغة الإسبانية. والاسم مناسب بالفعل، وليس لإسبانيا وحدها.
يُتخذ أمام أعيننا، ومن دون موافقتنا، خيار قاتم لا يمكن وصفه: الآلة على حساب الإنسان، والجماد على حساب الحياة، والأرباح فوق كل اعتبار. وبسرعة مذهلة، تراجعت أباطرة التكنولوجيا الكبرى بهدوء عن تعهداتها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية، واصطفّت إلى جانب ترامب، مصمّمة على التضحية بموارد هذا العالم الحقيقية والثمينة وإبداعه، على مذبح عالم افتراضي مصّاص للدماء. هذه هي السرقة الكبرى الأخيرة، وهم يستعدّون لركوب العواصف التي هم أنفسهم يستحضرونها، وسيسعون لتشويه سمعة وتدمير كل من يقف في طريقهم.
هناك شيء آخر في ثونبرغ يثير فيهم الرعب: تمسكها الثابت بهذا الكوكب وبجميع الكائنات الحية التي تتقاسم العيش عليه، لا بالنسخ الرقمية منه التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولا بهرمية تحدد من يستحق الحياة ومن لا يستحق، ولا بأيٍّ من أوهام الهروب الكوني التي يروّج لها فاشيو آخر الزمان
انظروا إلى الجولة الأوروبية الأخيرة لفانس، حيث قام نائب الرئيس بتوبيخ قادة العالم بسبب «القلق المفرط بشأن السلامة» فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي المدمّر للوظائف، في الوقت نفسه الذي كان يطالب فيه بعدم تقييد الخطاب النازي والفاشي على الإنترنت. وفي لحظة كاشفة، أطلق تعليقاً كان يتوقّع أن يُقابل بالضحك، لكنه قوبل بالصمت: «إذا كان بإمكان الديمقراطية الأمريكية أن تصمد أمام عشر سنوات من توبيخ غريتا ثونبرغ، فبإمكانكم أن تصمدوا أمام بضعة أشهر من إيلون ماسك».
تعليقُه جاء ليُعكس تصريحاتٍ مشابهة أدلى بها راعيه الذي لا يتمتع بحس الفكاهة، بيتر ثيل. ففي مقابلات حديثة ركّزت على الأسس اللاهوتية لسياسته اليمينية المتطرفة، كرر الملياردير المسيحي تشبيه، غريبتا ثونبرغ، الشابة الناشطة في مجال البيئة ومكافحة التغير المناخي التي لا تعرف الكلل بـ«المسيح الدجال»، شخصية توقعت النبوءات بأنها ستأتي برسالة مضلِّلة عن «السلام والأمان». وقال ثيل متجهّماً: «إذا جعلت غريتا الجميع على هذا الكوكب يركب دراجة، فربما يكون ذلك حلاً لتغيّر المناخ، لكن الأمر ينطوي على نوع من الانتقال من المقلاة إلى النار».
لماذا ثونبرغ؟ ولماذا الآن؟ جزئياً، يبدو أن السبب هو الخوف المروع من أن تؤدي التشريعات البيئية إلى تقليص أرباحهم الطائلة: فوفقاً لثيل، إن الإجراءات المناخية المستندة إلى العلم، والتي تطالب بها ثونبرغ وآخرون، لا يمكن فرضها إلا من خلال «دولة شمولية»، وهي برأيه تهديد أشد خطورة من انهيار المناخ (وما يثير قلقه بشكل خاص هو أن الضرائب في ظل مثل هذه الدولة قد تكون «مرتفعة للغاية»). لكن قد يكون هناك شيء آخر في ثونبرغ يثير فيهم الرعب: تمسكها الثابت بهذا الكوكب وبجميع الكائنات الحية التي تتقاسم العيش عليه، لا بالنسخ الرقمية منه التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولا بهرمية تحدد من يستحق الحياة ومن لا يستحق، ولا بأيٍّ من أوهام الهروب الكوني التي يروّج لها فاشيو آخر الزمان.
«الوجود هنا» يمكن أن يكون قابلاً للنقل، خالياً من القومية، متجذراً في التضامن، محترماً لحقوق الشعوب الأصلية وغير محدود بالحدود
إنها ملتزمة بالبقاء، في حين أن فاشيي آخر الزمان، على الأقل في تصوّراتهم، قد غادروا هذا العالم بالفعل، إما محتمين في ملاجئهم الفاخرة، أو متسامين إلى الأثير الرقمي، أو متجهين إلى المريخ.
بعد وقت قصير من إعادة انتخاب ترامب، أُتيحت لأحدنا الفرصة لإجراء مقابلة مع أنوني، وهي واحدة من قلة من الموسيقيين الذين حاولوا خلق فن يحيط بذراعيه «دافع الموت» الذي استولى على عالمنا. وعندما سُئلت عن الرابط بين استعداد الأقوياء لترك الكوكب يحترق والدافع لإنكار الحق في الاستقلال الجسدي للنساء، أجابت مستحضرة نشأتها في كنف الكاثوليكية الأيرلندية: إنه «أسطورة قديمة جدًا نُجسّدها ونُمثّلها. هذا هو ذروة المجيء الثاني في معتقدهم. هذه هي وسيلتهم للهروب من دورة الخلق المفعمة بالحياة. هذه هي طريقتهم للهروب من الأم».
كيف يمكننا كسر هذه الحمى المدمرة؟ أولاً، يجب أن نساعد بعضنا البعض على مواجهة عمق الانحطاط الذي استولى على اليمين المتطرف في جميع بلداننا. للمضي قدماً بتركيز، يجب علينا أولاً أن نفهم هذه الحقيقة البسيطة: نحن نواجه أيديولوجية قد تخلت ليس فقط عن مبدأ ووعود الديمقراطية الليبرالية، ولكن أيضاً عن قابلية العيش في عالمنا المشترك، عن جماله، وعن شعوبه، وعن أطفالنا، وعن الأنواع الأخرى. القوى التي نواجهها قد تصالحت مع الموت الجماعي. هم خونة لهذا العالم وسكانه من البشر وغير البشر.
ثانياً، نواجه رواياتهم المدمرة بقصة أفضل بكثير عن كيفية النجاة في الأوقات الصعبة المقبلة دون أن نترك أحدًا خلفنا. قصة قادرة على تجريد الفاشية المدمرة من قوتها القوطية وتحفيز حركة مستعدة لوضع كل شيء على المحك من أجل بقائنا الجماعي. قصة ليست عن نهاية العالم، بل عن أوقات أفضل؛ ليست عن الفصل والتفوق، بل عن الترابط والانتماء؛ ليست عن الهروب، بل عن البقاء والوفاء للواقع الأرضي المضطرب الذي نحن مرتبطون به ومشدودون إليه.
بالطبع، هذه المشاعر الأساسية ليست جديدة. فهي مركزية في الكوزمولوجيات الأصلية، وتقع في قلب «الأحيائية». إذا عدنا إلى الماضي البعيد، نجد أن كل ثقافة ودين له تقليده الخاص في احترام قداسة «هنا»، وعدم البحث عن صهيون في أرض موعدة بعيدة وغير قابلة للوصول. في شرق أوروبا، قبل الإبادات الفاشية والستالينية، نُظم الاتحاد الاشتراكي اليهودي «لابور بوند» حول مفهوم اليديشية «دوكايت»، أو «الوجود هنا». تعرف مولي كربابل، التي كتبت كتاباً قادماً عن هذا التاريخ المهمل، «دوكايت» على أنه الحق في «النضال من أجل الحرية والأمان في الأماكن التي عاشوا فيها، في تحدٍ للجميع الذين أرادوا لهم الموت»، بدلاً من أن يُجبروا على الفرار إلى الأمان في فلسطين أو الولايات المتحدة. ربما ما نحتاج إليه هو تعميم هذا المفهوم في العصر الحديث: التزام بالحق في «الوجود هنا» على كوكبنا المريض هذا، مع هذه الأجساد الهشة، والحق في العيش بكرامة أينما كنا على هذا الكوكب، حتى عندما تجبرنا الصدمات الحتمية على التحرك. «الوجود هنا» يمكن أن يكون قابلاً للنقل، خالياً من القومية، متجذراً في التضامن، محترماً لحقوق الشعوب الأصلية وغير محدود بالحدود.
سيتطلب هذا المستقبل نهاية عالمية خاصة به، وكشف من نوع مختلف. كما لاحظت الباحثة في مجال الشرطة روبين ماينارد: «من أجل جعل بقاء كوكب الأرض ممكناً، يجب أن تنتهي بعض صور هذا العالم».
لقد وصلنا إلى نقطة اختيار، ليس حول ما إذا كنا نواجه نهاية العالم، بل حول الشكل الذي ستتخذه. تحدثت الناشطتان أدرين مارِي وأوتوم براون عن هذا مؤخراً في بودكاستهما الذي يحمل اسماً مناسباً «كيف تنجو من نهاية العالم». في هذه اللحظة، عندما يكون الفاشيون المتطرفون في آخر الزمان، في حرب على جميع الجبهات، فإن التحالفات الجديدة تصبح أمراً أساسياً. ولكن بدلاً من أن نسأل: «هل نشارك جميعاً نفس الرؤية للعالم؟»، تحثنا أدرين على أن نسأل: «هل قلبك ينبض وهل تخطط للعيش؟ إذًا تعال إلى هنا وسنكتشف البقية في الجانب الآخر».
لديك أمل في محاربة فاشيي آخر الزمان، مع دوائرهم المتقلصة والمختنقة من «الحب المنظم»، سنحتاج إلى بناء حركة غير منظمة ومفتوحة القلوب من المؤمنين الذين يحبون الأرض: مؤمنين بهذا الكوكب، بشعبه، بكائناته، وإمكانية وجود مستقبل قابل للعيش لنا جميعاً. مؤمنين بالوجود هنا. أو، للاستشهاد بأنوني مرة أخرى، هذه المرة بالإشارة إلى الإلهة التي تضع فيها إيمانها: «هل توقفت للتفكير أن هذه ربما كانت فكرتها الأفضل؟».
نعومي كلاين (Naomi Klein) كاتبة وصحفية كندية، وُلدت عام 1970، تشتهر بتحقيقاتها النقدية في قضايا العولمة والرأسمالية والكوارث المناخية. من أبرز أعمالها No Logo (1999)، وThe Shock Doctrine (2007)، وThis Changes Everything (2014). تُدرّس الإعلام والمناخ في جامعة كولومبيا.
أسترا تايلور (Astra Taylor) كاتبة ومخرجة ومنظّمة سياسية أميركية كندية. وُلدت عام 1979، وتركّز أعمالها على الفلسفة والديمقراطية والعدالة الاقتصادية. من أبرز مؤلفاتها Democracy May Not Exist (2019)، وأفلامها What Is Democracy? (2018). شاركت في تأسيس حركة Strike Debt، وتكتب بانتظام في The Guardian وThe New York Times.
المصدر: The Guardian
صعود فاشية آخر الزمان (1)