العمال ينهي الكفاح المسلح ويعلن عن حل نفسه: ما التداعيات على سوريا؟

أعلن حزب العمال الكردستاني، اليوم، 12 مايو، عن «حل هياكله التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح»، وذلك وفقاً لما جاء في نتائج مؤتمره الثاني عشر. جاءت هذه الخطوة استجابةً «لنداء السلام والمجتمع الديمقراطي» الذي أطلقه السيد أوجلان في السابع والعشرين من فبراير الماضي.

في ضوء هذه التطورات، ما هي تداعيات هذه الخطوة على سوريا؟

من غير المستبعد أن تكون تركيا، في المستقبل القريب، «الضامن» الإقليمي لأمن الكرد في سوريا

الانعكاس الأمني على سوريا

دون شك، فإن إعلان الحزب سيكون له تداعيات مباشرة على شمال وشرق سوريا بشكل خاص، وعلى الوضع السوري عامة. كانت تركيا تستخدم «وجود كوادر الحزب في الشمال السوري» وما تسميه «الارتباط العضوي» بين وحدات «حماية الشعب» و«حزب العمال الكردستاني» كذريعة للعمليات العسكرية ضد شمال وشرق سوريا. خلال السنوات الماضية، نفذت تركيا عمليتين عسكريتين ضد وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية: «غصن الزيتون» في عفرين (مارس 2018) و«نبع السلام» في سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض (أكتوبر 2019). أسفرت هذه العمليات عن تهجير مئات الآلاف من الكرد من مناطقهم، بالإضافة إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في هذه المناطق. ولم تتوقف الضربات العسكرية التركية، بما في ذلك الهجمات بالطائرات المسيّرة والحربية، على مناطق شمال وشرق سوريا. وبعد سقوط نظام الأسد، تمكنت «فصائل الجيش الوطني»، بدعم جوي واستخباراتي تركي، من السيطرة على تل رفعت ومنبج.

وفي السياق ذاته، قضية أمن الحدود المشتركة مع سوريا، التي كانت تستخدمها تركيا كذريعة لهجماتها المتكررة على المنطقة، قد تنتهي مع حل حزب العمال الكردستاني.

في المقام الأول، غالباً ستؤدي هذه الخطوة إلى خروج كوادر حزب العمال الكردستاني، من الأصول الكردية-التركية، الذين جاءوا إلى سوريا إبان هجمات تنظيم «داعش» على كوباني في 2014. وعلى الأرجح، ستتم هذه الخطوات بعد إصدار عفو عام وتعديل قوانين «مكافحة الإرهاب» في تركيا، لتمهيد اندماج مقاتلي حزب العمال السابقين في بنية الدولة والمجتمع التركي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوات، قد تفضي إلى إزالة «الحساسيات الأمنية» التركية تجاه شمال وشرق سوريا بشكل فعلي. وبالتالي، لن تتحول هذه المناطق إلى تهديد أمني لتركيا، بل قد تصبح ضمانة أمنية لها. يُتوقع أن تتوقف جميع العمليات العسكرية التركية الجوية ضد مناطق الإدارة الذاتية، وأن تُفتح صفحة جديدة في العلاقات الكردية-التركية في سوريا. ومن غير المستبعد أن تكون تركيا، في المستقبل القريب، «الضامن» الإقليمي لأمن الكرد في سوريا.

وفي سياق متصل، سيكون الجيش الأمريكي أكبر المستفيدين من هذه التطورات على مستويين: أولاً، إنهاء التوترات بين قسد وتركيا سيعزز قدرة التحالف الدولي على مكافحة تنظيم «داعش» دون عراقيل. ثانياً، لن تتكرر تجربة الانسحاب الفوضوي كما حدث في أفغانستان، في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا في السنوات المقبلة.

ورغم محاولات تركيا لإنشاء آلية بديلة تضم العراق والأردن لمكافحة «داعش» في سوريا، إلا أنها لم تؤتِ ثمارها حتى الآن. ويبدو أن الخيار الثاني، القائم على مكافحة الإرهاب بالشراكة بين قسد وتركيا ضمن إطار التحالف الدولي، قد يكون الأنسب لجميع الأطراف.

الجمهورية التركية هي أيضاً الدولة القومية للكرد

العلاقات الكردية-التركية في سوريا

ورغم أن بناء الثقة بين الأطراف يحتاج إلى فترة أطول، إلا أن التوجه نحو نهج جديد ومختلف سيكون له تداعيات طويلة الأمد على المنطقة برمتها. في الوقت الحالي، يجري الحديث عن «بردايم جديد» في تركيا، قائم على أخوة كردية-تركية تمتد لألف عام. وقد وصف محمد أوجوم، مستشار الرئاسة التركية، في منشور على منصة «X»، الكرد بأنهم «المكون الأساسي للجمهورية التركية»، وأضاف: «الجمهورية التركية هي أيضاً الدولة القومية للكرد».

هذا «النموذج الجديد» سينعكس على العلاقات الكردية-التركية في سوريا والشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يتبنى الطرفان خطاباً مرناً قائماً على السلام والأخوة والتعاون وحسن الجوار، مما يعني الانتقال من العداوة إلى تحالف تاريخي متين. ووصف هاكان فيدان، وزير خارجية تركيا، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني والسوري، إعلان العمال الكردستاني بـ«التاريخي والمهم».

عملياً، لن تستطيع تركيا الاستمرار في سياساتها السابقة تجاه سوريا. ومن المنتظر أن تعيد النظر في استراتيجيتها تجاه سوريا في الأيام القادمة، وأن تتبنى نهجاً أكثر شمولاً تجاه شعوب سوريا، قائماً على التعاون مع الكرد، وهو تحول سيتحقق تدريجياً.

بالإضافة إلى دعم تركيا لاندماج قوات سوريا الديمقراطية مع دمشق، من المتوقع أن تدعم تمثيل المؤسسات الإدارية والسياسية لشمال وشرق سوريا، في أجهزة الدولة والحكومة في دمشق، وفي لجنة كتابة الدستور الدائم. وتتمتع قوات سوريا الديمقراطية بسمعة جيدة دولياً، وهي مقبولة لدى شرائح واسعة في المجتمع السوري، مما قد يسهم في قبول أكبر للحكومة الانتقالية في دمشق إقليمياً ودولياً.

لذلك، فإن الاستمرار بالسياسات القديمة، القائمة على دعم «مذهب» أو «فئة» بعينها في سوريا، لن يكون مفيداً لتركيا. على العكس تماماً، إذا كانت تسعى بالفعل إلى إبقاء سوريا ضمن مجال نفوذها الإقليمي، فإنها ستكون مضطرة إلى اتباع نهج متعدد يدعم بناء «الدولة الدستورية» في السياق السوري.

تمثيل القوى السياسية في شمال وشرق سوريا في لجنة كتابة الدستور الدائم في سوريا، وتمثيل المؤسسات الأمنية والعسكرية والإدارية في مؤسسات المركز، سيكونان من أبرز الخطوات التي ستساهم إيجاباً في عملية الاندماج بين شمال وشرق سوريا ودمشق

دمشق – شمال وشرق سوريا

وعلى نحو متصل، فإن العلاقات بين شمال وشرق سوريا وسلطات دمشق الانتقالية تدخل مرحلة جديدة. من المتوقع أن نشهد نهجاً أكثر مرونة من قبل دمشق في عملية الاندماج وتطبيق اتفاق العاشر من مارس بين قائد قسد، مظلوم عبدي، ورئيس المرحلة الانتقالية، وأحمد الشرع. وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، بأن «المماطلة بتنفيذ الاتفاق يغذي النزعات الانفصالية».

تمثيل القوى السياسية في شمال وشرق سوريا في لجنة كتابة الدستور الدائم في سوريا، وتمثيل المؤسسات الأمنية والعسكرية والإدارية في مؤسسات المركز، سيكونان من أبرز الخطوات التي ستساهم إيجاباً في عملية الاندماج بين شمال وشرق سوريا ودمشق.

بالإضافة إلى ذلك، قد نشهد انفراجات في ملف التعليم من خلال الاعتراف بمؤسسات الإدارة الذاتية ودمجها في مؤسسات المركز، مع إجراء الامتحانات في المناطق الطرفية، فيما سماه وزير التعليم في الحكومة الانتقالية، محمد عبد الرحمن تركو، بـ«اللامركزية الإدارية في التعليم». إلى جانب تقديم الخدمات المركزية، مثل إصدار الجوازات وغيرها في شمال وشرق سوريا.

جملة هذه التطورات، ستفضي إلى نهج جديد في إدارة المرحلة الانتقالية. ويبدو أن الطرفين، دمشق وشمال وشرق سوريا، على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب منهما إصلاحات شاملة.

من خلال تبني مشروع «الدولة الدستورية والديمقراطية المحلية-الوطنية»، فإن الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية مضطرون إلى تحديث البنى التنظيمية وأدوات العمل، بما يتماشى مع المرحلة الجديدة

إصلاح شامل

من جانبها، فإن المؤسسات الإدارية والسياسية والعسكرية في شمال وشرق سوريا في طور إجراء إصلاحات شاملة، بدءاً من خطابها تجاه تركيا، وصولاً إلى نمط الإدارة وبنية مؤسساتها وخطابها السياسي في سوريا.

ومن خلال تبني مشروع «الدولة الدستورية والديمقراطية المحلية-الوطنية»، فإن الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية مضطرون إلى تحديث البنى التنظيمية وأدوات العمل، بما يتماشى مع المرحلة الجديدة.

على المستوى المحلي، تمثل العدالة الاجتماعية، بما في ذلك إعادة توزيع القوى والثروة، وإعادة تنظيم المجتمعات المحلية ضمن الجمعيات والتعاونيات والمنظمات والكومونات الاقتصادية والإدارية والسياسية والثقافية، من أولى المهام أمام الإدارة الذاتية. ومن المحتمل أن تعرقل بعض الفئات التي استفادت من ظروف الحرب، مثل تجار الحروب وبعض المتنفذين، عملية الإصلاح. وقد يتجاوب بعض كوادر حزب العمال الكردستاني السابقين ببطء مع هذه الإصلاحات الديمقراطية، وتوزيع الثروة والنفوذ بين المجتمعات، لحماية مراكزهم في السلطة. ومع ذلك، يبدو أن زخم هذه العملية ومتطلباتها سيؤدي في النهاية إلى تجاوز هذه المعوقات.

أما على المستوى الوطني، فإن إعادة تنظيم وبناء «الكتلة الديمقراطية الثالثة»، المكونة من مختلف الهويات والشرائح والطبقات في المجتمع السوري، يعد من أبرز الإصلاحات المطلوبة لتحقيق التحول الديمقراطي في سوريا. ويُعتبر مجلس سوريا الديمقراطية قوة سياسية مرنة تحظى بقبول واسع لدى العديد من السوريين، مما يؤهله لبناء التوافقات والدفع نحو الإصلاحات. ووفقاً لمصادر «أمارغي سكوب»، سيعقد مجلس سوريا الديمقراطية، مؤتمرين، أحدهما على مستوى شمال وشرق سوريا، والآخر على المستوى الوطني السوري.  

ومن خلال اندماجها مع المؤسسات المركزية في دمشق، سيكون من المهم أن تتمكن قوات سوريا الديمقراطية من المشاركة الفعلية في إعادة بناء الدولة.

بتاريخها العريق وتنوعها الثقافي، تستحق شعوب هذه المنطقة السلام والازدهار، بدلاً من الحروب والموت على مذبح مصالح القوى التي لا تعرف الرحمة

استنادًا إلى ما سبق، لا تقتصر آثار هذه التطورات على تركيا وسوريا فحسب، بل تمتد لتشمل المنطقة بأسرها. ففي خضم بيئة مثقلة بالمجازر والعنف، التي تعمقت جراحها بعد السابع من أكتوبر، يشكل السلام الكردي-التركي بارقة أمل، تحمل في طياتها إمكانية إيقاف دوامة الكراهية وكسر حلقات الانتقام، وفتح أبواب جديدة نحو ثقافة السلام والديمقراطية والحوار والأخوة في الشرق الأوسط.

إنها فرصة لاستبدال صوت الرصاص بنبض الحياة، وتحويل جراح الماضي إلى جسور تواصل، تبني مستقبلاً مشتركاً يعترف بالتعددية ويرفض ثقافة الإبادة. بتاريخها العريق وتنوعها الثقافي، تستحق شعوب هذه المنطقة السلام والازدهار، بدلاً من الحروب والموت على مذبح مصالح القوى التي لا تعرف الرحمة.